كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال بعض الكاملين كان طفل يقرأ على بعض الصالحين القرآن فرآه مصفر اللون فسأل عنه فقالوا يقوم الليل بالقرآن كله فقال له في هذه الليلة أحضرني في قبلتك واقرأ علي القرآن في صلاتك ولا تغفل عني فلما أصبح قال له ختمت القرآن كالعادة قال لم أقدر على أكثر من نصفه فقال في هذه الليلة اجعل من شئت من الصحب الذين سمعوه من الرسول صلى الله عليه وسلم واقرأ عليه ففعل فلم يمكنه إلا قراءة نحو ربعه فقال اقرأ الليلة على من أنزل عليه ففعل فلم يقدر على أكثر من جزء فقال له الليلة استحضر أنك تقرؤه على جبريل الذي نزل به واعرف قدر من تقرأ عليه ففعل فلم يقدر إلا على سورة فقال الليلة تب إلى الله وتأهب واعلم أن المصلي يناجي ربه واقف بين يديه فانظر حظك من القرآن وحظه وتدبر ما تقرأ فليس المراد جمع الحروف بل تدبر المعاني ففعل فأصبح مريضاً فعاده أستاذه فلما أبصره الشاب بكى وقال جزاك الله عني خيراً، ما عرفت أني كاذب إلا البارحة لما استحضرت الحق وأنا بين يديه أتلو عليه كلامه فوصلت إلى إياك نعبد لم أر نفسي تصدق في قولها فاستحييت أن أقول إياك نعبد وهو يعلم كذبي وصرت أردد في القراءة كلامه إلى مالك يوم الدين حتى طلع الفجر وقد احترق كبدي وما أنا إلا راحل له على حالة لا أرضاها من نفسي فمات فدفن فأتاه أستاذه فناداه فأجابه من القبر يا أستاذ أنا حي قدمت على حي فلم يحاسبني في شيء فقام مريضاً فلحق به‏.‏

- ‏(‏محمد بن نصر في‏)‏ كتاب ‏(‏الصلاة هب خط عن ابن عباس‏)‏ وفيه إسماعيل بن عمرو البجلي قال الذهبي‏:‏ ضعفوه ‏(‏السجزي‏)‏ بكسر السين المهملة وسكون الجيم وزاي نسبة إلى سجستان على غير قياس ‏(‏في‏)‏ كتاب ‏(‏الابانة‏)‏ في أصول الديانة ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة محمد بن وزير الرشيد ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه حميد بن حماد قال ابن عدي‏:‏ يحدث عن الثقات بالمناكير ‏(‏فر عن عائشة‏)‏ رضي ‏[‏ص 191‏]‏ الله تعالى عنها قالت سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي الناس أحسن صوتاً بالقرآن فذكره وفيه يحيى بن عثمان ابن صالح قال ابن أبي حاتم تكلموا فيه وابن لهيعة فيه لين لكن بتعدد طرقه يتقوى فيصير حسناً وظاهر صنيع المؤلف أن هذا لم يخرج في أحد الستة وإلا لما عدل إلى قول مغلطاي وغيره ليس لمحدّث أن يعزو حديثاً لغير أصحاب الكتب الستة وهو فيها إلا أن تكون فيه زيادة أو شبهها ما إذا لم يكن كذلك فلا يجوز إلا عند من لم يكن محدثاً وقد خرجه ابن ماجه عن جابر بلفظ ‏"‏أحسن الناس صوتاً بالقرآن الذي إذا سمعته يقرأ رأيت أنه يخشى الله تعالى قال الحافظ العراقي وسنده ضعيف وقد رواه البزار بسند كما قال الحافظ الهيتمي رجاله رجال الصحيح فحذفه الصحيح واقتصاره على المعلول من التقصير‏.‏

253 - ‏(‏أحسن الناس قراءة‏)‏ للقرآن ‏(‏من قرأ القرآن يتحزن به‏)‏ أي يرقق به صوته لما أهمه من شأن القرآن وهذا هو المراد بخبر الطبراني أحسنوا الأصوات بالقرآن لا ما يفعله القراء من رعاية الألحان المخرجة للحروف عن مواضعها فالقصد بالتحزن به التخشع عند قراءته لينشأ عن ذلك الخشية‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ قال الهيتمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث وفيه ضعف وقال ابن حجر فيه ابن لهيعة صدوق خلط بعد احتراق كتبه‏.‏

254 - ‏(‏أحسنوا‏)‏ بفتح فسكون فكسر ‏(‏إذا وليتم‏)‏ بفتح أوله مخففاً ويجوز ضمه مثقلاً أي إذا وليتم ولاية يعني إمارة ونحوها فأحسنوا إلى الرعية ومن وليتم عليهم قولاً وفعلاً وفي نسخة فيما وليتم ومن الإحسان إليهم إحسان القتلة وإقامة الحدود والتعازير والتأديب ‏(‏واعفوا عما ملكتم‏)‏ من الأرقاء بأن تتجاوزوا عن المسيء إن كان للتجاوز أهلا ‏{‏إن الله يأمر بالعدل والإحسان‏}‏ والإحسان في كل شيء بحسبه ورب نفس كريمة تخضع وترجع بالعفو ونفس لئيمة لو سومحت لفسدت وأفسدت ‏{‏والله يعلم المفسد من المصلح‏}‏ وهذا في غير الحدود وحق الخلق، أما الحد فيقام لئلا يعصي الله في أمره ونهيه لكن يجب على السيد أن يعاقبه لله لا لنفسه ولا شفاء لغيظه ولا يجاوز الكمية ولا يتعدى في الكيفية وإلا فالقصاص قائم يوم القيامة والتأديب المحمود ما هو لله والمذموم ما للنفس والناس في هذا طبقات فمن كان قلبه لله أمكنه أن يؤدبه في أمر الدنيا والآخرة لله ومن لم يكن كذلك بل غلبه هواه فلا يضرب إلا في أمر الدين فقط بحسبه ليكون للّه أما في أمر الدنيا من نفع أو ضر فلا لأنه إنما يغضب لنفسه‏.‏

- ‏(‏الخرائطبي في‏)‏ كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق عن أبي سعيد‏)‏ الخدري وكذا رواه الديلمي وغيره وفيه ضعف‏.‏

255 - ‏(‏أحسنوا‏)‏ في رواية أحسني خطاباً لعائشة ولعل الخطاب تعدد ‏(‏جوار‏)‏ بالكسر أفصح كذا في الصحاح وفي القاموس الضم أفصح ونحوه في المصباح والمراد الجوار المعنوي ‏(‏نعم الله‏)‏ جمع نعمة بمعنى إنعام وهي كل ملائم تحمد عاقبته ثم فسر المراد بحسن الجوار بقوله ‏(‏لا تنفروها‏)‏ أي لا تبعدوها عنكم بفعل المعاصي فإنها تزيل النعم ولا تطردوها بترك الشكر ‏(‏فقلما‏)‏ ما في قلما لتأكيد معنى القلة كما ذكره في الكشاف في ‏{‏قليلاً ما تشكرون‏}‏ وإنما أكد القلة بها لابهامها كما تؤكد الكثرة بها لأن المبهم يتناول الكثير والقليل أي في قليل من الأحيان وقال بعضهم ما من قلما يحتمل كونها كافة للفعل عن العمل وكونها مع الفعل لعدها في تأويل المصدرية ‏(‏زالت عن قوم فعادت إليهم‏)‏ لأن حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها وتعظيمها من شكرها والرمي بها من الاستخفاف بها وذلك من الكفران والكفور ممقوت ‏[‏ص 192‏]‏ مسلوب ولهذا قالوا الشكر قيد للنعمة الموجودة وصيد للنعمة المفقودة وقالوا كفران النعم بوار وقلما اقشعت نافرة فرجعت في نصابها فاستدع شاردها بالشكر واستدم هاربها بكرم الجوار واعلم أن سبوغ ستر الله متقلص عما قريب إذا أنت لم ترج لله وقاراً‏.‏ وقال الغزالي‏:‏ فحافظ على إحسان الجوار عسى أن يتم نعمته عليك ولا يبتليك بمرارة الزوال فإن أمر الأمور وأصعبها الإهانة بعد الإكرام والطرد بعد التقريب والفراق بعد الوصال‏.‏ وقال بعضهم إن حقاً على من لعب بنعم الله سبحانه وتعالى أن يسلبه إياها‏.‏ قيل‏:‏ أنجت امرأة صبياً بكسرة فوضعتها في جحر فابتلى أهل ذلك البلد بالقحط فاضطرت المرأة لشدة الجوع حتى طلبتها فأكلتها‏.‏ فارتباط النعم بشكرها وزوالها في كفرها فمن عظمها فقد شكرها ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال ولهذا قالوا‏:‏ لا زوال للنعمة إذا شكرت ولا بقاء لها إذا كفرت، فالعاقل من حصن نعمته عن الزوال بكثرة العطايا والإفضال وجرى على شاكلة أكابر جنسه من أنبياء الله صلوات الله عليهم أجمعين وخواص عباده الذين دأبهم أن يتلقوا نعمة الله القادمة بحسن الشكر كما يشيعون النعمة المودعة بجميل الصبر بحمد الله ‏.‏

قال ابن الحاج كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحداً من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملاً حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق قال فينبغي للإنسان إذا وجد خبزاً أو غيره مما له حرمة مما يؤكل أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه لكن لا يقبله ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة فإنه بدعة قال‏:‏ وهذا الباب مجرب فمن عظم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجاً مخرجاً‏.‏

- ‏(‏ع عد‏)‏ وكذا البيهقي كلهم من حديث عثمان بن مطر عن ثابت ‏(‏عن أنس‏)‏ ثم قال البيهقي عثمان ضعيف وقال الذهبي ضعفوه كلهم وقال الهيتمي عقب نسبته لأبي يعلى فيه عثمان بن مطر ضعيف ‏(‏هب‏)‏ من حديث الوليد بن محمد الموقري عن الزهري عن عروة ‏(‏عن عائشة‏)‏ قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأى كسرة ملقاة فأخذها ومسحها وأكلها ثم ذكره وظاهر صنيع المؤلف أن مخرجه البيهقي خرجه وسكت عليه ولا كذلك بل عقبه ببيان علته فقال الموقري ضعيف قال ورواه خالد بن إسماعيل المخزومي عن هشام عن أبيه عن عائشة وهو أيضاً ضعيف‏.‏

256 - ‏(‏أحسنوا إقامة الصفوف‏)‏ جمع صف ‏(‏في الصلاة‏)‏ أي أتموها وسدوا الخلل فيها وسووها مع اعتدال القائمين على سمت واحد والأمر للندب ويسن إذا كبر المسجد أن يأمر الإمام رجلاً بتسوية الصفوف ويطوف عليهم أو ينادي فيهم ويسن لكل من حضر أن يأمر بذلك من يرى منه خللاً في تسوية الصف فإنه من الأمر بالمعروف والتعاون على البر والتقوى قال في المجموع والمراد بتسويتها إتمام الأول فالأول وسد الفرج وتحري القائمين فيها بحيث لا يتقدم صدر واحد ولا شيء منع على من هو بجنبه‏.‏

- ‏(‏حم حب عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيتمي رجاله رجال الصحيح‏.‏

257 - ‏(‏أحسنوا‏)‏ ندباً ‏(‏لباسكم‏)‏ بالكسر أي ما تلبسونه من نحو إزار ورداء أو قميص وعمامة أي نظفوه واجتنبوا البالغ في الخشونة ‏(‏وأصلحوا رحالكم‏)‏ أي أثاثكم أو سروجكم التي تركبون عليها أو الكل ‏(‏حتى تكونوا كأنكم شامة‏)‏ بفتح فسكون وقد تهمز وتخفف وهي أثر يغاير لونه لون البدن يسمى خالاً وأثراً والمراد كونوا في أصلح زي وأحسن هيئة حتى تظهروا ‏(‏في الناس‏)‏ فيرونكم بالتوقير والإكرام والاحترام كما تستملحون الشامة لئلا تحتقروا في أعين العوام والكفار فيزدريكم أهل الجهل والضلال فيندب تنظيف نحو الثوب والعمامة والبدن وتحسينها لكن بلا مبالغة ولا مباهاة ولا إعجاب وعلى خلافه يحمل ما ورد مما ظاهره مخالف ذلك كخبر اخشوشنوا ‏[‏ص 193‏]‏ وفيه إشارة إلى أنه ينبغي أن يتجنب كل ما يزدري ويحتقر لأجله الإنسان لاسيما ولاة الأمور والعلماء‏.‏

- ‏(‏ك عن سهل ابن الحنظلية‏)‏ المتعبد الزاهد المتوحد وهو سهل بن الربيع الأنصاري والحنظلية أمه سكن دمشق وبها مات أول خلافة معاوية وهذا روى عن ابن الحنظلية المذكور بزيادة في أوله بلفظ إنكم قادمون على إخوانكم فأحسنوا إلى آخره كما يأتي فلعله سمعه من المصطفى صلى الله عليه وسلم مرتين كذلك أو حدث به هو مرة مختصراً وأخرى مطولاً‏.‏

258 - ‏(‏أحسنوا الأصوات‏)‏ لفظ رواية الطبراني على ما وقفت عليه في أصول صحيحة أصواتكم جمع صوت وهو هواء منضغط بين قارع ومقروع ‏(‏بالقرآن‏)‏ أي بقراءته بترقيق صوت وترتيل وتدبر وتأمل لأحكامه وقصصه ومواعظه وبذلك تنبعث الخشية ويستنير القلب قال الشافعية تسنّ القراءة بتحسين الصوت وطلبها من حسنه والإصغاء إليها وقراءته حدراً وتحزيناً والحدر رفع الصوت تارة وخفضه أخرى والتحزين تليين الصوت ولا بأس بالإدارة واجتماع جماعة في القراءة وترديد آياته للتدبر‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ لم يرمز له المؤلف بشيء ووهم من زعم أنه رمز لضعفه قال الحافظ الهيتمي رواه بإسنادين وفي أحدهما عبد الله بن خراش وثقه ابن حبان وقال ربما أخطأ وضعفه البخاري وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

259 - ‏(‏أحسنوا إلى محسن الأنصار‏)‏ بالقول والفعل قال ابن الكمال‏:‏ والإحسان فعل ما ينبغي أن يفعل من الخير ‏(‏واعفوا عن مسيئهم‏)‏ ما فرط منه من زلة وحذف المفعول للتعميم وذلك لما لهم من المآثر الحميدة من نصرة الدين وإيواء المصطفى صلى الله عليه وسلم وصحبه وبإيثارهم من الأموال والأنفس وهذا وإن كان عاماً في التجاوز فما هو إلا على منهاج التكرمة وزيادة المبالغة في العفو وإلا فلا مزية لهم إلا فيما كان من إساءة لا تتعلق بحد حر ولا بحد عبد فهو من قبيل خبر ‏"‏أقيلوا ذوي الهيآت عثراتهم‏"‏ وهذا من جوامع الكلم لأن الحال منحصر في الضر والنفع وفي الشخص المحسن والمسيء وفيه من أنواع البديع الطباق‏.‏

- ‏(‏طب عن سهل بن سعد‏)‏ الساعدي ‏(‏وعبد الله بن جعفر‏)‏ بن أبي طالب ‏(‏معاً‏)‏ قال العباس بن سهل دخل سهل على الحجاج وهو متكئ فقال له قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسنوا إلى آخره قال من يشهد لك قال هذان عند كتفيك عبد الله بن جعفر وإبراهيم بن محمد بن حاطب فقالا نعم رواه كله الطبراني قال الهيتمي وفيه عبد المهيمن بن عياش بن سهل وهو ضعيف انتهى وبه يعرف ما في رمز المصنف لصحته نعم رواه الطبراني بمعناه في ضمن حديث خطب به ولفظه أما بعد فإن هذا الحي من الأنصار يقلون ويكثر الناس فمن ولي شيئاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فاستطاع أن يضر فيه أحداً أو ينفع به أحداً فليقبل من محسنهم وليتجاوز عن مسيئهم‏.‏

260 - ‏(‏أحصوا‏)‏ بضم الهمزة ‏(‏قوله أحصوا بضم الهمزة‏:‏ هو خطأ، والصواب بفتح الهمزة، لأنه من الاحصاء‏.‏ أهـ‏)‏ عدوا واضبطوا والاحصاء أبلغ من العد في الضبط لما فيه من إعمال الجهد في العد ‏(‏هلال شعبان لرمضان‏)‏ أي لأجل صيامه والهلال ما يرفع الصوت عند رؤيته فغلب على الشهر الذي هو الهلال ذكره الحراني وفي القاموس الهلال غرة القمر أو لليلتين أو لسبع والمراد أحصوا هلاله حتى تكملوا العدة إن غم عليكم أو تراؤوا هلال شعبان وأحصوه ليترتب عليه رمضان بالاستكمال أو الرؤية فإن قيل حديث العدد لا يقع فيه اضطراب فالأخذ به أولى ورد بالمنع وإن سلم فحديث الرؤية مثله بل أولى وقد قال أحصوا إلى آخره لأن فيه إظهار الشعار دونه‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الصوم من طريق مسلم صاحب الصحيح ‏(‏ك‏)‏ في الصوم وصححه ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورجاله رجال الصحيح إلا محمد بن عمرو فإنه لم يخرجه الشيخان‏.‏

‏[‏ص 194‏]‏ 261 - ‏(‏احضروا‏)‏ بضم الهمزة ‏(‏الجمعة‏)‏ أي خطبتها وصلاتها وجوباً على من هو أهلها ندباً لغيره في رواية بدل الجمعة الذكر ‏(‏وادنوا‏)‏ ندباً ‏(‏من الإمام‏)‏ أي اقتربوا منه بأن تكونوا في الصف الأول بحيث تسمعون الخطبة ‏(‏فإن الرجل لا يزال يتباعد‏)‏ عن الإمام أو عن استماع الخطبة أو عن مقام المقربين أو عن مقاعد الأبرار ‏(‏حتى يؤخر‏)‏ بضم أوله وفتح ثانيه أي عن الدرجات العالية ‏(‏في الجنة‏)‏ قال الحراني‏:‏ والتأخر إبعاد الفعل من الاين الكائن وفيه توهين أمر المتأخرين وتسفيه رأيهم حيث وضعوا أنفسهم من أعالي الأمور إلى سفسافها والله يحب تلك ويكره هذه كما يأتي في خبر وفي قوله ‏(‏وإن دخلها‏)‏ بغير سبق تعريض بأن الداخل قنع من الجنة ومن تلك الدرجات والمقامات الرفيعة بمجرد الدخول ولله در القائل في المعنى‏.‏

حاول جسيمات الأمور ولا تقل * إن المحامد والعلى أرزاق

وارغب لنفسك أن تكون مقصراً * عن غاية فيها الطلاب سباق

وإذا كان هذا حال المتأخر فكيف بالتارك‏.‏

- ‏(‏حم د‏)‏ في الصلاة ‏(‏ك‏)‏ في الجمعة ‏(‏هق عن سمرة‏)‏ بن جندب ولفظ أحمد وأبي داود والحاكم عن سمرة احضروا الذكر وادنوا من الإمام إلى آخر ما ذكر ورواه أحمد أيضاً والبيهقي بلفظ احضروا الجمعة وادنوا من الإمام فإن الرجل ليتخلف عن الجمعة حتى إنه ليتخلف عن الجنة وإنه لمن أهلها وسياق المؤلف يخالف الطريقين ثم الحديث قال الحاكم صحيح على شرط مسلم وأقره الذهبي في التلخيص وسكت عليه أبو داود لكن تعقبه المنذري بأن فيه انقطاعاً وقال الذهبي في تعقبه على البيهقي فيه الحكم بن عبد الملك قال ابن معين ليس بشيء‏.‏

262 - ‏(‏احفظ‏)‏ بكسر الهمزة ‏(‏لسانك‏)‏ صنه عن النطق بما لا يعنيك فإن من كثر كلامه كثر سقطه ومن كثر سقطه كثرت ذنوبه ومن كثرت ذنوبه فهو في النار وهل يكب الناس على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم وخص اللسان لأن الأعضاء كلها تابعة له فإن استقام استقامت وإن اعوج اعوجت ولكثرة الكلام مفاسد يتعذر إحصاؤها أو المراد لا تتكلم بما يهجس في نفسك من الوساوس فإنك غير مؤاخذ به ما لم تتلفظ أو تصمم أو لا تتفوّه بما ستره الله عليك فإن التوبة منه أرجى قبولاً والعفو عنه أقرب وقوعاً ذكره القاضي وهذا ما لم يتعلق بالكلام مصلحة كإبلاغ عن الله ورسوله وتعليم علم شرعي وأمر بمعروف ونهي عن منكر وإصلاح بين الناس ونحو ذلك من كل أمر ديني أو دنيوي يترتب على السكوت عنه فوت مصلحة وقد تطابقت الملل وتضافرت النحل على مدح حفظ اللسان في غير ذلك لإيراثه جميل المعاشرة ومليح المعاملة وقد قال عيسى عليه الصلاة والسلام للخنزير اذهب بسلام فقيل له فيه فقال‏:‏ كرهت أن أعود لساني منطق السوء قال الحراني‏:‏ والحفظ الرعاية لما هو متداع في نفسه فيكون تماسكه بالرعاية له عما يوهنه أو يبطله وقال الراغب‏:‏ هو المحافظة على مراعاة الشيء وقلة الغفلة عنه ويقال إثبات صورة الشيء في القلب حفظ وللقوة الحافظة حفظ قال الزمخشري‏:‏ واللسان جارحة الكلام وقد يكنى به عن الكلام ومنه قولهم إن لم تحفظ لسانك ملكت الشيطان فضل عنانك‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن مالك بن يخامر‏)‏ بضم المثناة تحت وفتح المعجمة وكسر الميم وبالراء ويقال أخامر بقلب التحتية همزة وأخيمر مصغر خمر وهو السكسكي الالهاني الحمصي قيل مخضرم وقيل له صحبة ولم يثبت والحديث جيد الإسناد ولكنه مرسل على الأصح‏.‏

263 - ‏(‏احفظ‏)‏ أيها الإنسان ‏(‏ما بين لحييك‏)‏ بفتح اللام على الأشهر وهما العظمان اللذان عليهما الأسنان السفلى بأن ‏[‏ص 195‏]‏ لا تنطق إلا بخير ولا تأكل إلا من حلال ‏(‏وما بين رجليك‏)‏ بأن تصون فرجك عن الفواحش وتستر عورتك عن العيون فإنك إن فعلت ذلك ضمن لك المصطفى صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم دخول الجنة كما ذكره في خبر يأتي وإنما نص على الأمر بذلك ولم يكتف بدخوله في العموميات التي لا تحصى لأن كف داعية اللسان والفرج من أهم الأمور ومن ثم عدّ من أعظم أنواع الصبر وفضله لشدّة الداعي فإن معاصي اللسان فاكهة الإنسان كنميمة وغيبة وكذب ومراء وثناء وحكاية كلام الناس وأحوالهم والطعن في عدو ومدح صديق ونحو ذلك ومقاساة كف الفرج أشدّ من ذلك ومن غيره إذ هو أعظم فخوخ الشيطان لأتقياء الرحمن فما بالك بآحاد الشبان‏.‏

- ‏(‏ع وابن قانع‏)‏ عبد الباقي في معجمه ‏(‏وابن منده‏)‏ محمد بن إسحاق العبدي الأصبهاني الحافظ الجوال ‏(‏والضياء‏)‏ المقدسي في المختارة ‏(‏عن ضعضعة‏)‏ بفتح المهملتين وسكون المهملة بينهما وفتح المهملة الثانية ابن ناجية بن عقال التميمي ‏(‏المجاشعي‏)‏ بضم الميم وفتح الجيم مخففة وشين معجمة نسبة إلى مجاشع بن دارم قبيلة معروفة وهو جد الفرزدق لا عمه على الصحيح كما في أسد الغابة لكن في التقريب أنه عمه وهو عم الأقرع بن حابس كان يفتدي الموؤدة في الجاهلية وهو من أشراف مجاشع له وفادة وحديث‏.‏

264 - ‏(‏احفظ عورتك‏)‏ صنها عن العيون لأنها خلقت من آدم مستورة وقد كانت مستورة عن آدم وحواء ودخلا الجنة ولم يعلما بها حتى أكلا من الشجرة فانكشفت فأمرا بسترها أخرج الحكيم الترمذي خبر إن أول ما خلق الله من آدم فرجه ثم قال هذه أمانة قد خبأتها عندك ‏(‏إلا من زوجتك‏)‏ بالتاء لغة وبدونها جاء القرآن ‏(‏أو ما‏)‏ أي والا الأمة التي ‏(‏ملكت يمينك‏)‏ وحل لك وطؤها وعبر باليمين للغالب إذ كانوا يتصافحون بها عند العقود والخطاب وإن كان لمفرد لكن المراد العموم لمن حضر وغاب من جميع الأمة بقرينة عموم السؤال والمرأة تحفظ عورتها حتى مما ملكت يمينها إلا من زوجها قال الطيبي‏:‏ وعدل عن استر إلى احفظ ليدل السباق على الأمر بسترها استحياء عمن ينبغي الاستحياء منه أي من الله ومن خلقه يشير به معنى قوله تعالى ‏{‏الذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم‏}‏ لأن عدم الستر يؤدي إلى الوقاحة وهي إلى الزنا وفيه أن للزوج نظر فرج زوجته وحلقة \دبرها وأخذ بعضهم منه أنه يجب على الرجل تمكين حليلته من الاستمتاع به ورد بأن معنى قوله إلا من إلى آخره أي فهو أولى أن لا تحفظ عورتك منها وذاك لأن الحق في التمتع له لا لها فيلزمها تمكينه ولا عكس ‏(‏قيل‏)‏ يعني قال معاوية الصحابي يا رسول الله ‏(‏إذا كان القوم‏)‏ أي الجماعة ‏(‏بعضهم في‏)‏ وفي نسخ من والأول هو ما في خط المؤلف ‏(‏بعض‏)‏ كأب وجد وابن وابنة أو المراد المثل لمثله كرجل لرجل وأنثى لأنثى وعليه فالقوم اسم كان وبعضهم بدل منه ومن بعض خبرها ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏إن استطعت أن لا يرينها أحداً‏)‏ بنون التوكيد شديدة أو خفيفة فلا يريها أحد اجتهد في حفظها ما استطعت وإن دعت ضرورة للكشف جاز بقدرها ‏(‏قيل‏)‏ أي قلت يا رسول الله ‏(‏إذا كان أحدنا خالياً‏)‏ أي في خلوة فما حكم ستر عورته حينئذ ‏(‏قال‏)‏ أي رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الله أحق‏)‏ أي أوجب ‏(‏أن يستحيا‏)‏ بالبناء للمجهول ‏(‏منه من الناس‏)‏ عن كشف العورة وهو تعالى وإن كان لا يحجبه شيء ويرى المستور كما يرى العاري لكن رعاية الأدب تقتضي الستر قال العلائي وغيره وهذا إشارة إلى مقام المراقبة فإن العبد إذا امتنع عن كشف عورته حياء من الناس فلأن يستحيي من ربه المطلع عليه في ‏[‏ص 196‏]‏ كل حال وكل وقت أولى والداعي إلى المراقبة أمور أعظمها الحياء قيل إن إبراهيم بن أدهم صلى قاعداً ثم مد رجله فهتف به هاتف أهكذا تجالس الملوك فما مدها بعد أبداً وقال الحكيم من تعرى خالياً ولم يحتشم فهو عبد قلبه غافل عن الله لم يعلم بأن الله يرى علم اليقين ولذلك كان الصديق رضي الله تعالى عنه يقنع رأسه عند دخوله الخلاء حياء من الله تعالى وكان عثمان رضي الله تعالى عنه يغتسل في بيت مظلم حتى لا يرى عورة نفسه قال الماوردي ومن خصائص نبينا صلى الله عليه وسلم أنه لم تر عورته قط ولو رآها أحد عمي وعدوا من خصائص هذه الأمة حرمة كشف العورة وكما يؤمر بحفظ عورته يؤمر بحفظ عورة غيره بترك النظر إليها قال ابن جرير إلا لعذر كحد يقام عليه وعقوبة تدرأ وظاهر الخبر وجوب ستر العورة في الخلوة لكن المفتى به عند الشافعية جواز كشفها فيها لأدنى غرض كتبريد وخوف غبار على نحو ثوب فينزل الخبر على ندب الستر في الخلوة لا وجوبه وممن وافقهم ابن جرير فأول الخبر في الآثار على الندب قال‏:‏ لأن الله تعالى لا يغيب عنه شيء من خلقه عراة أو غير عراة‏.‏

- ‏(‏حم ع ك هق عن بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده‏)‏ معاوية بن حيدة القشيري الصحابي المشهور قال قلت يا رسول الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر فذكره قال الترمذي والحاكم صحيح وأقره الذهبي ورواه البخاري معلقاً قال ابن حجر وإسناده إلى بهز صحيح ولهذا جزم البخاري بتعليقه وأما بهز وأبوه فليسا من شرطه وقال الكمال ابن أبي شريف بهز وثقه أحمد وآخرون وقال أبو حاتم لا يحتج به وقال ابن عدي لم أر له حديثاً منكراً وأبوه حكيم قال النسائي لا بأس به‏.‏

265 - ‏(‏احفظ ودّ أبيك‏)‏ بضم الواو أي محبته وبكسرها أي صديقه وعلى الأول فيه كما في النهاية حذف تقديره احفظ من كان وداً لأبيك أي صديقاً له وعلى الكسر لا تقدير فإن الود بالكسر الصديق ‏(‏لا تقطعه‏)‏ بنحو صد وهجر ‏(‏فيطفئ الله نورك‏)‏ بالنصب جواب النهي أن يخمد ضياءك ويذهب بهاءك ويمسكه وما يمسك الله فلا مرسل له والمراد احفظ محب أبيك أو صديق أبيك بالإحسان والمحبة سيما بعد موته ولا تهجره فيذهب الله نور إيمانك وهذا وعيد مهول وتقريع يذهب عقول الفحول عن قطع ود الأصول حيث آذن عليه بذهاب نور الإيمان وسخط الرحمن وما يذكر إلا أولوا الألباب ولم يقل ضوءك بدل نورك لأن الضوء فيه دلالة على الزيادة فلو قيل يطفئ الله ضوءك لأوهم الذهاب بالزيادة وبقاء ما يسمى نوراً والغرض الأبلغية والتوعد بانطماس النور بالكلية قال الحافظ العراقي وهل المراد به نوره في الدنيا أو نوره في الآخرة كل محتمل وقد ورد في التنزيل ما يدل على كل منهما أما في الدنيا ففي قوله ‏{‏أومن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس‏}‏ وقوله في حديث الحاكم إن النور إذا دخل الصدر انفسح قيل يا رسول الله هل لذلك من علم قال نعم التجافي عن دار الغرور والإنابة إلى دار الخلود واستعداد للموت قبل نزوله وأما في الآخرة ففي نحو ‏{‏يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم‏}‏ قال ويؤيد أن المراد النور الأخروي إذ ترك الود لمن كان من أهل ود أبيه نوع من النفاق فإنه كان يجامل أباه فلما توفي أبوه ترك ذلك وترك النور في الآخرة جزاء من فيه نفاق كما قال تعالى ‏{‏يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم‏}‏ ‏{‏مثلهم كمثل الذي استوقد ناراً فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم‏}‏ وقد أخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن سلام والذي بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالحق نبياً إنه لفي كتاب الله تعالى لا تقطع من كان يصل أباك فيطفئ الله نورك وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة عن كعب الأحبار قال في كتاب الله الذي أنزل على موسى عليه الصلاة والسلام احفظ ود أبيك لا تقطعه فيطفئ الله نورك وكالأب الجد أبو الأب والأم ويظهر أن يلحق به جميع الأصول من الجهتين ومن البين أن الكلام في أب محترم يحرم عقوقه ويطلب بره‏.‏

- ‏(‏خد طس هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال زين الحفاظ العراقي إسناده جيد والهيتمي إسناده حسن وسبب تحديث ابن عمر أنه مر في سفره على أعرابي فقال له ألست ابن فلان فقال نعم فأعطاه حماراً كان يستعقبه ونزع عمامته فأعطاه إياها فقال من معه أما يكفيه درهمان فقال كان أبوه صديقاً لعمر وقد قال المصطفى فذكره أهـ‏.‏

‏[‏ص 197‏]‏ 266 - ‏(‏احفظوني في العباس‏)‏ أي احفظوا حرمتي وحقي عليكم في احترامه وإكرامه وكف الأذى عنه ‏(‏فإنه‏)‏ أي الشأن أن له تمييزاً على غيره من الصحابة فإجلاله ينبغي أن يكون فوق إجلالهم إذ هو ‏(‏عمي وصنو أبي‏)‏ بكسر أوله المهمل أي مثله يعني أصلهما واحد فهو مثل أبي فهذا كالعلة في كون حكمهما منه في الإيذاء سواء وأن تعظيمه وإجلاله كتعظيمه وإجلاله لو كان موجوداً ولا حجة فيه لمن استدل به على إيمان والدي المصطفى صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما لا يخفى وقد كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم يعرفون العباس ذلك ويبالغون في تعظيمه ويشاورونه ويأخذون برأيه بل واستسقى به عمر غير مرة ولم يمر قط بعمر وعثمان راكبين إلا نزلا حتى يجوز إجلالا له كما أخرجه ابن عبد البر وغيره وقال يوماً يا رسول الله إني أتيت قوماً يتحدثون فلما رأوني سكتوا وما ذاك إلا أنهم استنقلوني فقال أو قد فعلوها والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يحبكم لمحبتي رواه الطبراني بإسناد صحيح‏.‏

- ‏(‏عد وابن عساكر‏)‏ في تاريخه ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين وأخرجه عنه الطبراني في الأوسط والصغير بلفظ احفظوني في العباس فإنه بقية آبائي قال التفتازاني يعني الذي بقي من جملة آبائي قال الهيتمي وفيه من لم أعرفهم‏.‏

267 - ‏(‏احفظوني في أصحابي‏)‏ أي راعوا حرمتي وارقبوني فيهم واقدروهم حق قدرهم وكفوا ألسنتكم عن غمطهم أو الوقيعة فيهم بلوم أو تعنيف لبذلهم نفوسهم وإطراحها بين يدي الله تعالى في الحروب وقتالهم القريب والبعيد في ذات الله وبذلهم أموالهم وخروجهم من ديارهم وصبرهم على البلاء والجهد الذي لا يطيقه غيرهم وليس ذلك إلا عن أمر عظيم ملك البواطن وصرفها على حكم محبة الله ومحبة رسوله فاستوجبوا بذلك الرعاية وكمال العناية والإضافة للتشريف ‏(‏وأصهاري‏)‏ جمع صهر وهو ما كان من خلطة تشبه القرابة يحدثها التزويج‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ فلان صهر فلان لمن يتزوج بنته وقد يقال لأهل بيت الزوجين معاً أصهار انتهى وقال ابن السكيت‏:‏ من كان من قبل الزوج أحماء ومن قبل المرأة أختان ويجمع الصنفين الأصهار والمتعارف من أصهاره آباء زوجاته كالعمرين وأزواج بناته كعلي وعثمان وأقارب زوجاته ‏(‏فمن حفظني فيهم‏)‏ أي راعاني فيهم بإكرامهم وحسن الأدب معهم ‏(‏حفظه الله‏)‏ دعاء أو خبر ‏(‏في الدنيا والآخرة‏)‏ أي منعه من كل ضر وضير فيهما‏.‏ قال الراغب‏:‏ يعبر بالدار الآخرة عن النشأة الثانية كما يعبر بالدار الدنيا عن النشأة الأولى وربما ترك ذكر الدار كما هنا وقد توصف الدار بالآخرة تارة وتضاف إليها تارة نحو ‏{‏وللدار الآخرة خير للذين يتقون‏}‏ تقديره دار الحياة الآخرة ‏(‏ومن لم يحفظني فيهم‏)‏ بما ذكر ‏(‏تخلى الله‏)‏ أي أعرض ‏(‏عنه‏)‏ وتركه في غيه يتردد وهذا أيضاً يحتمل الدعاء والخبر، وأيمّا كان فيا لها من شقاوة، كيف ‏(‏ومن تخلى الله عنه أوشك‏)‏ أي أسرع وفي نسخ يوشك وهو تحريف من النساخ فإن الأول هو كما في مسودة المؤلف بخطه ‏(‏أن يأخذه‏)‏ أخذ عزيز مقتدر وهذا وعيد شديد لمن لم يحفظه فيهم وتحذير بليغ من تعجيل العقوبة له وأن ذلك من أفظع الكبائر وأشنع الجرائم قال الحافظ الزرندي لم يكن من العلماء المجتهدين والأئمة المهتدين إلا وله في ولاية أهل البيت الحظ الوافر والفخر الزاهر كما أخبر الله بقوله ‏{‏قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى‏}‏‏.‏

- ‏(‏طب وأبو نعيم في‏)‏ كتاب ‏(‏المعرفة‏)‏ أي معرفة الصحابة ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في تاريخه وكذا الديلمي ‏(‏عن عياض‏)‏ بكسر أوله ومثناة تحت مخففة فمعجمة ‏(‏الأنصاري‏)‏ له صحبة قال الهيتمي وفيه ضعفاء وقد وثقوا وقال شيخه العراقي سنده ضعيف‏.‏

‏[‏ص 198‏]‏ 268 - ‏(‏احفوا‏)‏ قال النووي بقطع الهمزة ووصلها من أحفاه وحفاه استأصله ‏(‏الشوارب‏)‏ أي اجعلوها حفاف الشفة أي حولها وحفاف الشيء حوله، ومنه ‏{‏وترى الملائكة حافين من حول العرش‏}‏ كذا ذكره الغزالي واقتصر عليه وقال القاضي من الإحفاء وأصله الاستقصاء في أخذ الشارب وفي معناه أنهكوا الشوارب في الرواية الأخرى والإنهاك المبالغة في الشيء والمراد بالغوا في قص ما طال منها حتى تتبين الشفة بياناً ظاهراً ندباً وقيل وجوباً، أما حلقه بالكلية فمكروه على الأصح عند الشافعية وصرح مالك بأنه بدعة وقال يوجع فاعله ضرباً وأخذ الحنفية والحنابلة بظاهر الخبر فسنوا حلقه ونقل بعضهم عن الشافعي ندب حلقه باطل ‏(‏وأعفوا‏)‏ بفتح الهمزة ‏(‏اللحى‏)‏ بالضم والكسر أي اتركوها بحالها لتكثر وتغزر لأن في ذلك جمالاً للوجه وزينة للرجل ومخالفة لزي المجوس، والإعفاء التكثير ‏.‏

أخذ من هذه الأحاديث ونحوها أنه يندب مداواة الذقن بما ينبت الشعر أو يطوله فإن الإعفاء هو التكثير كما تقرر وهو غير مأمور به لأنه غير مقدور للرجل إنما المأمور به سبب التكثير وهو إما الترك أو المعالجة بما ينبت الشعر فهو من إقامة المسبب وهو التكثير مكان السبب وهو الترك أو المعالجة في الأمر به ورد بأن الإعفاء بمعنى الترك فلا يكون من ذلك بل يدل على عكسه فإنه إذا أمر بتركها فعالجها لتطول ما فعل ذلك المأمور به وبفرض جعل الإعفاء بمعنى التكثير فالصارف عن القول به أدلة أخرى ذكرها ابن دقيق العيد ولم ينقل عن أحد من السلف أنه كان يعالج لحيته لذلك ولم يذهب أحد إلى دخول المعالجة تحت الإعفاء انتهى ثم محل الإعفاء في غير ما طال من أطرافها حتى تشعث وخرج عن السمت أما هو فلا يكره قصه بدليل ما يجيء أن المصطفى صلى الله تعالى عليه وآله وسلم كان يأخذ من عرضها وطولها فافهم واللحية الشعر النابت على الذقن ومثلها العارض وأطلقه ابن سيده على ذلك وشعر الخدين ونقل النووي عن الإمام الغزالي كراهة الأخذ من العنفقة وأقرّه‏.‏

- ‏(‏م ت ن عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب ‏(‏عد عن أبي هريرة‏)‏

269 - ‏(‏أحفوا الشوارب‏)‏ بألف القطع رباعي أشهر وأكثر وهو المبالغة في استقصائه ومنه أحفى في المسألة إذا أكثر كذا في التنقيح وتحصيل سنية قص الشارب بفعل الرجل بنفسه وبفعل غيره له لحصول المقصود من غير هتك ولا حرمة بخلاف الإبط والعانة ذكره النووي لكنه بنفسه أولى كما ذكره ابن دقيق العبد ويندب الابتداء بقص الجهة اليمنى لأن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن لكن يحصل أصل السنة بالعكس كما قاله العراقي ويستثنى من طلب إزالة الشارب حالة الإحرام وعشر ذي الحجة لمريد التضحية والميت على المختار قيل والغازي بدار الحرب لإرهاب العدو والحديث يتناول السبالين وهما طرفاه لدخولهما في مسماه وفي حديث أحمد التصريح بهما لكن في الإحياء لا بأس بتركهما ‏(‏وأعفوا اللحى‏)‏ وفروها فلا يجوز حلقها ولا نتفها ولا قص الكثير منها كذا في التنقيح ثم زاد الأمر تأكيداً مشيراً إلى العلة بقوله ‏(‏ولا تشبهوا‏)‏ بحذف إحدى التاءين للتخفيف ‏(‏باليهود‏)‏ في زيهم الذي هو عكس ذلك وفي خبر ابن حبان بدل اليهود المجوس وفي آخر المشركين وفي آخر آل كسرى قال الحافظ العراقي والمشهور أنه من فعل المجوس فيكره الأخذ من اللحية واختلف السلف فيما طال منها فقيل لا بأس أن يقبض عليها ويقص ما تحت القبضة كما فعله ابن عمر ثم جمع من التابعين واستحسنه الشعبي وابن سيرين وكرهه الحسن وقتادة والأصح كراهة أخذ ما لم يتشعث ويخرج عن السمت مطلقاً كما مر والكلام في غير لحية المرأة والخنثى أما هي فيندب إزالتها وكذا الشارب والعنفقة لهما قال الحافظ العراقي وفي قص الشارب أمر ديني وهو مخالفة دين المجوس ودنيوي وهو تحسين الهيئة والتنظيف مما يعلق به من الدهن وكلما يلصق بالمحل كعسل وقد يرجع تحسين الهيئة إلى الدين ‏[‏ص 199‏]‏ أيضاً لأنه يؤدي إلى قبول قول صاحبه وامتثال أمره من ولاة الأمور ونحوهم‏.‏

- ‏(‏الطحاوي عن أنس‏)‏ رمز المؤلف لضعفه ووهم من زعم أنه رمز لصحته‏.‏

270 - ‏(‏أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى وانتفوا الشعر الذي في الآناف‏)‏ بمد الهمزة ونون وألف وفاء جمع أنف ولفظ رواية البيهقي في الشعب الأنوف بدل الآناف والأمر للندب ويظهر أن المراد إزالته بنتف أو قص، فإن قلت ينافيه قول الحديث الآتي نبات الشعر في الأنف أمان من الجذام، قلت‏:‏ كلا لأن دلالة ذلك إنما هي على أن صحة منبت باطن الأنف لا يجامعها الجذام فإنه يسقط شعره وحدوثه فيه يدل على عدم فساد المنبت فما دام فيه فالمنبت صحيح والعلة منتفية وأما ما هنا فبين به أن إزالة ذلك الشعر مندوبة لأن الأذى كالمخاط يعلق به‏.‏

- ‏(‏عد هب عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‏)‏ ظاهر صنيعه يوهم أن مخرجيه خرجاه وسكتا عليه والأمر بخلافه بل تعقبه البيهقي بقوله قال الإمام أحمد هذا اللفظ الأخير وفي ثبوته نظر انتهى‏.‏

271 - ‏(‏أحق‏)‏ أفعل تفضيل من حق وجب ‏(‏ما صليتم‏)‏ أي صلاة الجنازة ‏(‏على أطفالكم‏)‏ أي من أوجب شيء صليتموه الصلاة على من مات من أولادكم قبل البلوغ‏.‏ وفيه أن الصلاة على الميت واجبة ولو طفلاً حتى السقط إن استهلّ صارخاً ولا يعارضه خبر عائشة رضي الله تعالى عنها مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقول أحمد هذا حديث منكر جداً وقد روي في مراسيل صحاح البيهقي وغيره أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه قالوا وهذه المراسيل مع خبر البراء هذا يشد بعضها بعضاً وبفرض أن لخبر عائشة أصلاً لا يعمل به لأنه نفي عارضه إثبات فيقدم وبفرض الإغضاء عن ذلك فلا تعارض لأنه إنما لم يصل عليه استغناء بنبوة أبيه صلى الله عليه وسلم كالشهداء أو لأنه نبي لو عاش فلا يصلي نبي على نبي ذكره الزركشي أو المراد أنه لم يصل عليه في جماعة ولهذا قال النووي الصحيح الذي عليه الجمهور أنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وكبر أربعاً انتهى وأما الجواب بأنه ترك الصلاة عليه لغيره لاشتغاله بصلاة الكسوف فغير ناهض لأنه مما تتوفر الدواعي على نقله ولو فعل لنقل‏.‏

- ‏(‏الطحاوي هق‏)‏ من حديث عبد السلام ابن جرير عن ليث عن عاصم ‏(‏عن‏)‏ أبي عمارة أو عمرو أو الفضل ‏(‏البراء‏)‏ بفتح الموحدة وخفة الراء وقد يقصر ابن عازب بمهملة وزاي ابن الحارث الأوسي الحارثي الصحابي ابن الصحابي رمز المؤلف لصحته وهو زلل فقد تعقبه الذهبي في المهذب فقال ليث لين وعاصم لا يعرف فالصحة من أين بل والحسن من أين‏.‏

272 - ‏(‏أحل‏)‏ بالبناء لما لم يسم فاعله بضبط المؤلف والفاعل هو الله ‏(‏الذهب والحرير‏)‏ أي الخالص أو الزائد وزناً ‏(‏لإناث أمتي‏)‏ لبساً وتحلية وغير ذلك من وجوه الاستعمال ‏(‏وحرم‏)‏ بالبناء للمفعول أيضاً ‏(‏على ذكورها‏)‏ المكلفين غير المعذورين أن يستعملوهما لأن في ذلك خنوثة لا تليق بشهامة الرجال وألحق بالرجال الخناثى والمراد من الذهب هنا لبسه أما استعماله في أكل أو شرب فلا فرق في تحريمه بين الذكر والأنثى والفضة كالذهب‏.‏

- ‏(‏حم ن‏)‏ في الزينة ‏(‏عن أبي موسى‏)‏ الأشعري وظاهر صنع المؤلف أن النسائي تفرد به من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه الترمذي أيضاً وقال حسن صحيح وصححه البغوي وغيره‏.‏

‏[‏ص 200‏]‏ 273 - ‏(‏أحلت لنا‏)‏ أي لا لغيرنا من الأمم ‏(‏ميتتان‏)‏ تثنية ميتة وهي ما أدركه الموت من الحيوان عن زوال القوة وفناء الحرارة ذكره الحراني وعرفها الفقهاء بأنها ما زالت حياته بغير ذكاة شرعية ‏(‏ودمان‏)‏ تثنية دم بتخفيف ميمه وشدها أي تناولهما في حالة الاختيار ‏(‏فأما الميتتان فالحوت‏)‏ يعني حيوان البحر الذي يحل أكله ولو لم يسم سمكاً وكان على غير صورته بالكلية ولو طافياً ورفع لابن الرفعة هنا أنه ساق الحديث وأبدل الحوت بالسمك فاعترضه الذهبي بأنه لم يرد وإنما الوارد الحوت ومراده بعدم الورود عدم الثبوت وإلا فقد ورد لفظ السمك في رواية منكرة ذكرها ابن مردويه في تفسيره ‏(‏والجراد‏)‏ من الجرد لأنه يجرد الأرض ففي الجمهرة لابن دريد سمي جراداً لأنه يجرد الأرض أي يأكل ما فيها وفي التنزيل ‏{‏كأنهم جراد منتشر‏}‏ الآية وذكر نحوه الزمخشري فتحل ميتته، هبه مات باصطياد أم بقطع رأسه أم بحتف أنفه على ثبوت ضرره من بين جراد البلاد ‏(‏وأما الدمان فالكبد‏)‏ بفتح فكسر أفصح ‏(‏والطحال‏)‏ ككتاب قال العراقي وهذا لا يقتضي اختصاص الحل بالميتتين المذكورتين أو الدمين لأنه مفهوم لقب وهذا سماه السكي مفهوم العدد وهو غير حجة اتفاقاً وفرق بينه وبين مفهوم المعدود عند القائل بحجيته بأن العدد يشبه الصفة والمعدود لا يذكر معه أمر زائد فيفهم منه انتفاء المحكم عما عداه‏.‏

- ‏(‏ه‏)‏ من رواية عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر ‏(‏ك هق‏)‏ من رواية ابن أبي أويس عن الثلاثة المذكورة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب ثم حكى البيهقي عن أحمد وابن المديني أنهما وثقا عبد الله بن زيد قال لكن الصحيح من هذا الحديث هو الأول قال الحافظ العراقي يريد به رواية ابن وهب عن سلمة بن نمير عن زيد بن أسلم عن ابن عمر موقوفاً أحلت لنا إلى آخره قال البيهقي بعد تخريجه هذا إسناد صحيح وهو في معنى المسند انتهى ومن ثم قال النووي هو وإن كان الصحيح وقفه في حكم المرفوع إذ لا يقال من قبل الرأي‏.‏

274 - ‏(‏احلفوا‏)‏ ندباً إذا كان الداعي للحلف مصلحة ‏(‏بالله‏)‏ أي باسم من أسمائه أو صفة من صفاته لأن الحلف به مما تؤكد به العهود وتشد به المواثيق ‏(‏وبروا‏)‏ بفتح الموحدة ‏(‏واصدقوا‏)‏ في حلفكم ‏(‏فإن الله‏)‏ أكد بأن ووضع الظاهر موضع المضمر تفخيماً ودفعاً لتوهم المنع ‏(‏يحب أن يحلف به‏)‏ أي يرضاه إذا كان غرض الحالف طاعة كفعل جهاد أو وعظ أو زجر عن إثم أو حث على خير، وقد حكى الله تعالى عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه طلب من بنيه الحلف حين التمسوا إرسال أخيهم معهم فهو إذن منه في ذلك ولا يأذن إلا فيما هو محبوب مطلوب ولا يناقضه ‏{‏ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم‏}‏ فإن معناه لا تكثروا منها أو يحمل الحديث على ما إذا كانت في طاعة أو دعت إليها حاجة والآية على خلافه وبذلك علم أنه لا تدافع قال النووي يستحب الحلف ولو بغير تحليف لمصلحة كتوكيد مبهم وتحقيقه ونفي المجاز عنه وقد كثرت الأخبار الصحاح في حلف المصطقى صلى الله عليه وسلم في هذا النوع لهذا الغرض، وخرج بالحلف بالله الحلف بغيره فهو مذموم كما جاء مصرحاً به في أخبار أخر، قال في الكشاف وقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية تنسب إليها الجاهلية الأولى وذلك أن الواحد لو أقسم بأسماء الله تعالى كلها وصفاته على شيء لم يقبل منه حتى يقسم برأس سلطانه وذلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءه حلف لحالف انتهى وأقول قد استحدث الناس في هذا الباب الآن في إسلامهم جاهلية وهو أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها لم يقبل منه حتى يقول وسر الشيخ فلان وذلك عندهم جهد اليمين‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث معروف بن محمد بن زياد عن الفضل بن عياش الجرجاني عن عفان بن يسار عن مسعر عن وبرة ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ثم قال تفرد به عفان عن مسعر وهو ضعيف قال البخاري ‏[‏ص 201‏]‏ لا يصح حديثه ومعروف قال الذهبي فيه طعن‏.‏

275 - ‏(‏احلقوه‏)‏ بكسر اللام ‏(‏كله‏)‏ أي شعر الرأس أي أزيلوه بحلق أو غيره كقص أو نورة وخص الحلق لغلبته وسلامته من الأذى وغيره قد يؤذي‏.‏ قال الحراني‏:‏ والحلق إزالة ما يتأتى الزوال فيه بالقطع من الآلة الماضية في عمله والرأس مجتمع الخلقة ومجتمع كل شيء رأسه ‏(‏أو اتركوه‏)‏ وفي رواية أو ذروه ‏(‏كله‏)‏ فإن الحلق لبعض الرأس وترك بعضه مثله ويسمى القزع فهو مكروه مطلقاً تنزيهاً إلا لعذر سواء كان لرجل أو امرأة ذكره النووي وسواء كان في القفا أو الناصية أو الوسيط خلافاً لبعضهم وأكده بقوله كله دفعاً لتوهم التجوز بإرادة الأكثر وذلك لما فيه من التشويه وتقبيح الصورة والتعليل بذلك كما قال القرطبي أشبه منه بأنه زي أهل الدعارة والفساد وبأنه زي اليهود وفهم من إطلاقه عموم النهي كما لو ترك منه مواضع متفرقة أو حلق الأكثر وترك محلاً واحداً وهذا من كمال محبة المصطفى صلى الله عليه وسلم للعدل فإنه أمر به حتى في شأن الإنسان مع نفسه فنهاه عن حلق بعض وترك بعض لأنه ظلم للرأس حيث ترك بعضه كاسياً وبعضه عارياً ونظيره المشي في نعل واحدة وقوله احلقوه كله يدل على جواز الحلق وهو مذهب الجمهور وذهب بعض المالكية إلى تخصيصه بحالة الضرورة محتجاً بورود النهي عنه إلا في الحج لكونه من فعل المجوس والصواب الحل بلا كراهة ولا خلاف الأولى وأما قول أي شامة الأولى تركه لما فيه من التشويه ومخالفة طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم إذ لم ينقل عنه أنه كان يحلقه بل إذا قصد به التقرب في غير نسك أثم لأنه شرع في الدين ما لم يأذن به الله ففي حيز المنع بلا ريب كيف وقد حلق المصطفى صلى الله عليه وسلم رؤوس أبناء جعفر بن أبي طالب، وفي أبي داود أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل ثائر الرأس فقال مه أحسن إلى شعرك أو احلقه، فانظر كيف سوى بين ترجيله وحلقه وخيره بينهما‏؟‏ وأعدل حديث في هذا المقام قول حجة الاسلام لا بأس بحلقه لمريد التنظيف ولا بأس بتركه لمن يدهن ويترجل يعني من قدر على دهنه وترجيله فبقاؤه له أولى ومن عسر عليه كضعيف وفقير منقطع علم من بقائه أنه يتلبد ويجمع الوسخ والقمل فالتنظيف منه بحلقه أولى والكلام كله في الذكر أما الأنثى فحلقها له مكروه حيث لا ضرر بل إن كانت مفترشة ولم يأذن الحليل حرم بل عده في المطامح من الكبائر وشاع على الألسنة أن المرأة إذا حلقت رأسها بلا إذن زوجها سقط صداقها وذلك صرخة من الشيطان لم يقل به أحد‏.‏

- ‏(‏د‏)‏ في الترجيل ‏(‏ن‏)‏ في الزينة ‏(‏عن‏)‏ عبد الله ‏(‏بن عمر‏)‏ بن الخطاب قال رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبياً حلق بعض رأسه وترك بعضه فذكره وقضية صنيع المؤلف أنه لم يخرج في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو غريب فقد خرجه مسلم تلو حديث النهي عن القزع بالسند الذي ذكره وأخرجه به أبو داود لكنه لم يذكر لفظه بل قال ولذلك فلم يتفطن له المؤلف ومن ثم عزاه الحميدي كأبي مسعود الدمشقي إلى مسلم وتبعهما المزي في الأطراف قال في المجموع وحديث أبي داود صحيح على شرط الشيخين‏.‏

276 - ‏(‏احملوا‏)‏ بكسر الهمزة والميم أيها الأولياء ‏(‏النساء على أهوائهن‏)‏ أي زوجوهن بمن يرتضينه ويرغبن فيه إذا كان كفأ وكذا إذا كان غير كفء ورضيت المرأة به فإذا التمست بالغة عاقلة التزويج من كفء لزم الولي إجابتها فإن امتنع فعاضل فيزوجها السلطان‏.‏

- ‏(‏عد‏)‏ من حديث محمد بن الحارث عن ابن السلماني عن أبيه ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب قال في الميزان محمد بن الحارث عن ابن السلماني أحاديثه منكرة متروك الحديث ثم أورد له أخبار هذا منها‏.‏

277 - ‏(‏أخاف على أمتي‏)‏ زاد في رواية بعدي فالإضافة للتشريف ‏(‏ثلاثاً‏)‏ أي خصالاً ثلاثاً‏.‏ قال الزمخشري‏:‏ والخوف غم يلحق الإنسان لتوقع مكروه والحزن غم يلحقه لفوت نافع أو حصول ضار ‏(‏زلة عالم‏)‏ أي سقطته يعني عمله بما يخالف ‏[‏ص 202‏]‏ علمه ولو مرة واحدة فإنه عظيم المفسدة لأن الناس مرتقبون لأفعاله ليقتدوا به ومن تناول شيئاً وقال للناس لا تتناولوه فإنه سم قاتل سخروا منه واتهموه وزاد حرصهم على ما نهاهم عنه فيقولون لولا أنه أعظم الأشياء وألذها لما استأثر به، وأفرد الزلة لندرة وقوعها منه ‏(‏وجدال منافق بالقرآن‏)‏ أي مناظرته به ومقابلته الحجة بالحجة لطلب المغالبة بالباطل وربما أول منه شيئاً ووجهه بما يؤول إلى الوقوع في محذور ‏{‏فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة‏}‏ وربما غلب بزخرفته وتوجيهه العقائد الزائغة على بعض العقول القاصرة فأضلها ‏(‏والتكذيب بالقدر‏)‏ بالتحريك أي أن الله يقدر على عبده الخير والشر كما زعمه المعتزلة حيث أسندوا أفعال العباد إلى قدرتهم فزعموا أن أفعال العباد خيرها وشرها مسندة إلى قدرة العبد واختياره وعاكستهم الجبرية فأثبتوا التقدير لله تعالى ونفوا قدرة العبد بالكلية وكلا الفريقين من التفريط والإفراط على شفا جرف هار والصراط المستقيم والقصد القويم مذهب أهل السنة أنه لا جبر ولا تفويض إذ لا يقدر أحد أن يسقط الأصل الذي هو القدر ولا يبطل الكسب الذي هو السبب قال الطيبي‏:‏ وقدم زلة العالم لأنها تسبب في الخصلتين الأخيرتين فلا يحصلان إلا من زلته ولا منافاة بين قوله هنا ثلاثاً وفيما يأتي ستاً وفي الخبر الآتي على الأثر ضلالة الأهواء إلى آخره لأنا إن قلنا إن مفهوم العدد غير حجة وهو ما عليه المحققون فلا إشكال وإلا فكذلك لأنه أعلم أولا بالقليل ثم بالكثير أو لأن ذلك يقع لطائفة وهذا لأخرى‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي الدرداء‏)‏ قال الهيتمي فيه معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف‏.‏

278 - ‏(‏أخاف على أمتي من بعدي‏)‏ بين به أن ذلك لا يقع في حياته فإن وجوده بين أظهرهم أمان لهم من ذلك ‏(‏ثلاثاً‏)‏ من الخصال ‏(‏ضلالة الأهواء‏)‏ أي إضلال أهوية نفوسهم لهم وقد يراد بها خصوص البدع والتعصب للمذاهب الباطلة، والضلال ضد الرشاد وفي الصحاح أضله أهلكه والأهواء مفرده هوى مقصور وهو عرض نفساني ناشئ عن شهوة نفس في غير أمر الله كذا ذكره بعضهم وأوجز القاضي فقال‏:‏ رأي يتبع الشهوة‏.‏ وقال الراغب‏:‏ والضلال أن يقصد لاعتقاد الحق أو فعل الجميل أو قول الصدق فيظن بتقصيره وسوء تصرفه فيما كان باطلاً أنه حق فاعتقده أو فيما هو قبيح أنه جميل وليس بجميل ففعله أو فيما كان كذباً أنه صدق فقاله والجهل عام في كل ذلك ‏(‏واتباع الشهوات‏)‏ جمع شهوة قال الحراني‏:‏ وهي نزوع النفس إلى محبوب لا تتمالك عنه وقال في الكشاف طلب النفس اللذة ‏(‏في البطون والفروج‏)‏ بأن يصير الواحد كالبهيمة قد عكف همه على بطنه وفرجه لا يخطر بباله حقاً ولا باطلاً ولا يفكر في عاقبة أمره عاجلاً ولا آجلاً وأنشد بعضهم‏:‏

تجنب الشهوات واحـ * ذر أن تكون لها قتيلا

فلرب شهوة ساعة * قد أورثت حزنا طويلا

وخصهما لأنهما مرجع جميع الشهوات‏.‏ قال الراغب‏:‏ وإنما خاف على أمته الشهوات لأنها أقدم القوى وجوداً في الإنسان وأشدها به تثبيتاً وأكثرها تمكناً فإنها تولد معه وتوجد فيه وفي الحيوان الذي هو جنسه بل وفي النبات الذي هو جنس جنسه ثم توجد فيه قوة الحمية ثم آخراً وجد فيه قوة الفكر والنطق من التمييز ولا يصير الإنسان متميزاً عن جملة البهائم متخلصاً من أسر الهوى إلا بأمانة الشهوة البهيمية أو بقهرها وقمعها إن لم تمكن إماتتها، فهي التي تضره وتغره وتصرفه عن طرق الآخرة ومتى قمعها أو أماتها صار حراً نقياً فتقل حاجاته ويصير غنياً عما في يد غيره سخياً بما في يده محسناً في معاملته لكن هنا شيء يجب التنبيه به وهو أن الشهوة إنما تذم إن أفرطت وأهملها صاحبها حتى ملكت القوى أما إذا أديت فهي المبلغة للسعادة حتى لو لم تكن لما أمكن الوصول إلى الآخرة وذلك لأنه لا وصول إليها إلا بالعبادة ولا سبيل إليها إلا بالحياة ولا سبيل إليها إلا بحفظ البدن ولا يمكن إلا بإعادة ما تحلل منه ولا يمكن إلا بتناول الغذاء ولا يمكن إلا بالقوة الشهوية فالأمر محتاج إليها ومقتضى الحكمة إيجادها وتزيينها ‏{‏زين للناس حب الشهوات‏}‏ لكن هي كعدو تخشى مضرته من وجه ونفعه من وجه ومع عداوته لا يستغنى عنه فحق العاقل أن يأخذ نفعه ولا يسكن إليه قال‏:‏ ‏[‏ص 203‏]‏

ومن نكد الدنيا على المرء أن يرى * عدوّا له ما من صداقته بدّ‏.‏

‏(‏والغفلة بعد المعرفة‏)‏ أي إهمال الطاعة بعد معرفة وجوبها أو ندبها، هذا في حق العوام أما في حق الخواص فالالتفات إلى غير الله حتى بمجرّد الدعوى أو العجب أو الركون إلى ما ظهر من مبادئ اللطف وذلك هو المنكر الخفي الذي لا يقدر على التحرز منه إلا ذو القدم الراسخ‏.‏ قال الغزالي‏:‏ وإنما كانت الغفلة من أعظم المصائب لأن كل نفس من العمر جوهرة نفيسة لا خلف لها ولا بدل منها لصلاحيتها لأن توصل إلى سعادة الأبد وتبعد من شقاوة الأبد فإذا ضيعته في الغفلة فقد خسرت خسراناً مبيناً وإن صرفته للمعصية هلكت هلاكاً فاحشاً‏.‏ قال الحراني‏:‏ والغفلة فقد الشعور بما حقه أن يشعر به وأراد بأهل الأهواء البدع كما تقرر، وبدأ بها إشارة إلى أنها أخوف الثلاثة وأضرها إذ هي مع كونها داعية لأصحابها إلى النار موقعة للعداوة مؤدية إلى التقاطع و‏'‏نما حدث التباين والفرق بسبب ذلك حتى أدى إلى أن بعض تلك الفرق سب الشيخين ولعنهما وتعصب كل فريق فضلوا وأضلوا وتلك أمة قد خلت لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت وقيل لما نزل قوله تعالى ‏{‏ومن يغفر الذنوب إلا الله‏}‏ صاح إبليس ودعا بالويل والثبور فجاءته جنوده وقالوا‏:‏ ما بال سيدنا قال‏:‏ نزلت آية لا يضر بعدها آدمياً ذنب فقالوا‏:‏ نفتح لهم باب الأهواء فلا يتوبون ففرح بذلك وقال الغزالي‏:‏ قال الحسن بلغنا أن إبليس قال سولت لأمة محمد المعاصي فقطعوا ظهري بالاستغفار فسولت لهم ذنوباً لا يستغفرون منها وهي الأهواء قال الغزالي رحمه الله تعالى وصدق الملعون فإنهم لا يعلمون أن ذلك من الأسباب التي تجر إلى المعاصي فكيف يستغفرون‏.‏ وقال الجنيد‏:‏ لو أقبل عارف على الله تعالى ألف سنة ثم أعرض عنه لحظة كان ما فاته أكثر مما ناله وقال الغزالي‏:‏ قد نظر الحكماء فردّوا مصائب العالم ومحنه إلى خمس المرض في الغربة والفقر في الشيب والموت في الشباب والعمى بعد البصر والغفلة بعد المعرفة قال وأحسن منه قول القائل‏:‏

لكل شيء إذا فارقته عوض * وليس لله إن فارقت من عوض‏.‏